الجمعة، 19 يناير 2024

 

طائرٌ مغتربٌ

كان هناك طائرٌ صغيرٌ لطيفٌ، يقف فوق أغصان الشَّجرة يلعب هنا وهناك، مرةً مع إخوته، ومرةً مع أصدقائه.

كانت تلك الشَّجرة تغدو مصدر أمانٍ له، ولكن في يومٍ من الأيام أصيبت هذه الشَّجرة بحريقٍ مفاجئ، لم يعلم أحدٌ من أين ظهر؟ مات من الطُّيور من مات، ونجا منهم من نجا، وكان من بين النَّاجين هذا الطَّائر الذي خسر أسرته، وبيته، وبعض من أصدقائه، لم يبق أحدٌ من أصدقائه إلا القلَّة القليلة، ولكنَّهم تفرَّقوا كلُّ ذهب لمكانٍ يعتقد أنَّه قد يكون مصدر الأمان له.

سكن هذا الطَّائر في شجرةٍ، ولكن هو ليس من أهل هذه الشَّجرةِ، بل هو غريب عنها، وكان كلُّ صباحٍ يخرج بمفرده ليبحث عن قوت يومه، وفي أثناء ذلك يجد بقيَّة الطُّيور تلعب هنا وهناك، وتتسابق للبحث عن الطَّعام فيتذَّكر أيامه الخوالي، وما كان يحدث في تلك الشَّجرة، ولكنَّه سرعان ما أفرد جناحيه، وطار والدُّموع تتساقط من عينيه، فقد شعر بالوحدة القاتلة، وعلم أنَّ ما خسره محالٌ أن يستردَّه.

أدرك لأول مرةٍ أنَّه لن يتمَّكن من تعويض ما خسره، وأنَّ عليه أن يكمل تلك الحياة لوحده، وهو يحمل تلك الذِّكريات الأليمة، وأدرك للمرة الأولى أنَّ كلَّ شيءٍ لن بعود كما كان، وأنَّ عليه أن يتقبَّل هذا الواقع، تمنَّى في بعض الأحيان لو أنَّه لم ينجُ من ذلك الحريق، ولكن كان لا بد له أن يتقبَّل هذه الحقيقة، أنَّه أحد النَّاجين لذلك.

قرر هذا الطَّائر الطيران وترك أحداث الماضي خلف ظهره، وأدرك أخيرًا أنَّ الحريَّة هو ترك أحداث الماضي وراء ظهره، وأن يعيش في زمن الحاضر وأن يحاول أن يتأقلَّم مع محيطه الجديد سواءً أرغب في ذلك أم لم يرغب، وإن لم يتمكَّن من تحملِّه أن يعتزل هذا المكان للأبد وينتقل إلى مكان آخر.

 

الجمعة، 12 يناير 2024

                                                                         ردًا على مقالة (أين الخلل) [1]

قرأت مرة مقالة الشيخ علي الطنطاوي بعنوان أين الخلل، طرح فيها تساؤلات كثيرةً، وعميقةً، وأكثر سؤالًا كان عميقًا وأكثرهما أهمية، بل يعدُّ محور الحديث وجوهره هو: لماذا نطبق نصف الدِّين على حياتنا، ونصفه الآخر لا يكاد يذكر؟ لماذا ننفعل بتلك الخطب الحماسية، ولكن لا يوجد إلا القلِّة القليلة من يطبقها في حياته؟ فجلست أتأمل، وأقارن قلوبنا اليوم، وقلوب الصحابة رضوان الله عليهم، ومن خلال اطلاعي لمقالاته وجدت أنَّ الشيخ الفضيل – رحمه الله – كان على علم بالإجابة، ولكن أتسائل هل تمكنت أنت أيها القارئ من معرفة تلك الإجابة؟

إنَّ السبب بسيطٌ جدًا، ولكن على رغم بساطته فهو أيضًا لا يقل خطورة عن مرض الطَّاعون، إن لم يكن أقل خطورةً منه؛ والسبب عائدٌ على تلك القلوب التي لم يتمكن الإيمان منها حقَّ التَّمكين، ولو أنَّه تمكَّن منهم لما وصلنا لهذا الضعف.

فمثلًا عندما قال الشيخ: " هذا الرجل يصلي ويصوم، ولكن رزقه حرام". فالإسلام عند هؤلاء هو أشبه بظاهرةٍ لا بعقيدةٍ كيف ذلك؟ إنَّ أغلبيَّة المسلمين اليوم يحملون الدِّين على أنَّه مظهر، أو قناع، لا على أنَّه دين وعقيدة، فهم يعتقدون بأنَّه مجرد قناع يرتدونه لإرضاء بني جلدتهم، ولكن سرعان ما ينزعونه حينما يشعرون بالأمان، وما يفعلونه اليوم، هو يشابه أفعال المنافقين تمامًا.

أيها القارئ، دعني أضرب لك مثالًا على ذلك من عصرنا الحالي حتى تتقرب الصورة إلى ذهنك أكثر: فتاة تعيش في بلدٍ مسلم تضع الحجاب، وتضرب على وجهها، وعندما تخرج من بلدها تتحول إلى سافرة، كاشفة، فاسقة، ترتكب المحرمات هنا وهناك، فالدِّين الإسلامي اليوم تحول إلى عادةٍ وتقليدٍ، فالواحد منَّا يصلي ويصوم فقط لأنَّ والداه يفعلان ذلك، وهذا الشَّاب يقرأ القرآن؛ لأنَّ والده يفعل ذلك، وهذه الفتاة تضع الحجاب فقط؛ لأن والدتها تضع الحجاب، وهذا كلُّه إذا دلَّ على شيءٍ دلَّ على سوء الفهم للدِّين الإسلامي، وهذا هو جوهر المشكلة.

فالدِّين الإسلامي في زمن الصحابة رضوان الله عليهم كان راسخًا عندهم أنَّه عقيدة، وشرف، ولن يكونوا مسلمين إن لم يطبقوا تعاليمه بدِّقةٍ متناهيةٍ، وكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يقوم بترسيخ الدِّين والعقيدة في قلوبهم.

صحيح أنَّ بعض الصَّحابة كان يقترف المحرمات، ولكنَّهم سرعان ما يقام عليهم الحد ويتوبون؛ لأن الدِّين عندهم هو شريان الحياة، فإن انقطع الدِّين انقطع معه الحياة عن الأجساد.

امّا اليوم فقد أضحى الهوى، والشهوات، وحب الدُّنيا، هم شريان الحياة، وهذا هو السبب الرئيسي؛ لضعف الدِّين الإسلامي، فنحن نفرح عندما نتذكر أننا أمُّةٌ كنَّا قد سطَّرنا التَّاريخ، وملكنا مشارق الأرض ومغاربها، ولكن في الوقت ذاته نغضب ممن يذكِّرنا بأنَّ علينا أن نستقيم، وأن ندع الملذات، والحرمات، وأن نعبد الله حقَّ عبادته، ونقول وهل نحن رجعيون؟!

إنَّ الإسلام اليوم لا يحتاج إلى خطبٍ حماسيةٍ، ولا إلى هتافاتٍ، بل يحتاج إلى قلوبٍ قويةٍ، وإلى أناسٍ ينفذون أكثر مما يقولون، وعقولٍ مفكرةٍ، لا مقلدةٍ.

إن الخلل يكمن في القلوب والعقول، فإن أصلحناهما أصلحنا أمَّتنا، ولا أقول إلا كما قال ابن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر" "إنَّه ليس من العجيب ممن يتَّبع هواه، ويبتغي الَّلذَّة سواءٌ أكانت في الحلال أم في الحرام، بل العجب ممن يخالف نفسه وهواه ويتَّيع رضا الله"[2] فأروا الله العجيب يريكم العجب العجاب 

 



[1] ) هذه المقالة استقريتها من كتاب علي طنطاوي في كتابه فصول في الدعوة والإصلاح ص 31، وقد كتبت هذا الموضع ردًا على التساؤلات التي طرحها الشيخ الفضيل رحمة الله عليه، حتى يفهم الناس سر الخلل الحاصل اليوم ويبادرون بحله واستدراكه قبل أن يتفاقم (نور)

[2] ) علي الطنطاوي، فصول في الدعوة والإصلاح، دار المنارة، ص 68

الأحد، 12 نوفمبر 2023

 

الصراع الإنساني

عندما خلق الله الإنسان أوجده على الفطرة، وفطرة الإنسان هي أبعد ما تكون عن هذه الحياة المادية، فهي متصلة بين جسد هذا الإنسان وبين السماء، وهذا ما وجدناه في قصة (( حي بن يقظان)) حينما اعتقد بأنَّ الدَّين وتفصيلاته بالأمور المعاملات: كالتجارة، والزكاة، إنما كان إجهادًا للعقل إذ أنَّ الحياة أبعد ما تكون عن هذه الأمور؛ لأنَّ باعتقاده لا ينبغي للإنسان أن يتملك، ولكن حينما ذهب إلى القرية ووجد كيف أنَّ البشر هناك قد انغمسوا بالمادة، علم لماذا قد فصَّل الله تعالى في هذه المعاملات.

كذلك نجد في كتاب المساكين ((قصة الشيخ علي))  [1]وكيف أنَّه كان أبعد ما يكون عن هذه المادة، وكان يعتقد هذا الشيخ أنَّ كل ما لم ينله من هذه المادة فهي مصيبة لم تنله.

هنا يراودنا سؤال مهمٌ جدًا إذا كان الإنسان قد خُلِقَ وهو بعيد عن المادة فكيف تحول صراعه إلى هذه العملة الفانية؟ في الحقيقة أجاب على هذا السؤال الشيخ مصطفى صادق الرافعي في كتابه " المساكين"

وقد أرجأ السبب الحقيقي خلف هذا الصراع إلى الحضارة أو كما يقول هو " يومئذٍ كان عمل الفرد الواحد للقبيلة كلها؛ لأنَّه في الاجتماع بقبيلته لا بنفسه، وكان الفرد في عهد الجماعة إنَّما يقاتل على الرزق، فأصبح في عهد القبيلة يقاتل على الطمَّاح إليه، والاستكثار منه ولم يكن في تاريخه ما يقذع هذا الطماح أو يكفُّه أو يرد فيه ردًا، فاسترسل إليه، ونشأ من ذلك في نفسه معنى الجمع والادِّخار وأن يمهد لغيره من بعده.

ثم استفاض الدَّهر بحوادثه وعصوره، وقامت المماليك واستجمت الأمم، واستبحر العمران وما برح ذلك المعنى يتسع ويتتابع ويتلَّون في تاريخ طويل حتى عاد ذلك القتال الأول فرَّق ثم رقَّ إلى أن صار قتالًا في الأسواق بين جماعات الدَّراهم والدَّنانير وكان النزاع بين فردٍ وفرد وبين قوة وقوة، فارتقى وتهذَّب حتى رجع إلى أن صار نزاعًا بين خلق وخلق، وبين حيلة وحيلة، وبعد أن كان الميدان في رقعة هذه الأرض، صغر شيئًا فشيئًا حتى أصبح في رقعة الضمير...

فالإنسان المتمدن هو ذلك الإنسان المتوحش في عمله للقبيلة إذ يكنز الكنوز، ويعقد العقد، ويرتبط الأموال غير أنَّه قد حصر معنى القبيلة في نفسه". [2]

ولذلك قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [3]

وقد فسَّرها ابن كثير في قوله: " عن ابن جريح وعطاء عن ابن عباس قال: في شدَّة خلق، وقد قال سعيد بن جبير في شدَّة وطلب المعيشة"[4].

فالإنسان من فطرته أن يبحث عن الرزق، وأن يرغب بالتملك، ولكن لم تكن فطرته يومًا أن يصل به الأمر إلى حد الطمع والبخل، ولكن إلى ما يسد حاجاته اليومية، ولم يصل به الأمر إلى حد الطمع، وإنَّما ظهرت هذه الظاهرة مع ظهور ما نسميه بالحضارة، فلم يعد الإنسان يرغب فقط بإشباع بطنٍ واحدة، بل يرغب بإشباع خمسة بطون معًا.

فهذا الطمع والجشع الذي سيطر على الإنسان ليخوض صراعًا على المناصب، والسلطة، ويصبح أداة لشهواته جعلاه حيوانًا لا إنسانًا بعقل وقلب تفكَّر بهما.

والآن ليتفكر كل واحد منَّا إلى أين أوصله طمعه وشجعه وحبه للمال والجاه والمناصب؟ ما الذي جناه هذا الإنسان بعد أن أتعب النَّفس بإشباعها أو بمحاولة إشباعها من الملَّذات وكلمَّا حصل على شيء أراد أن يحصل على الأكثر؟

السعادة لم تكن يومًا في الحصول على المادة، وإنَّما كانت السعادة دومًا في الأمور المعنوية، أن تسير بحاجة أخاك، أو أن تسير في حاجة ملهوف، أو أن تفك رقبة وتعين محتاج.

هذه هي السعادة الحقيقية! السعادة المرتبطة بين قلبك والسماء، أنت لا تنتظر المساعدة أو الشكوى من أحد، ولكن تنتظر الأجر الوفير من رب العرش الكبير.

بقلم: نور نعساني.

 



[1] ) كتاب المساكين للشيخ صادق الرافعي والذي يتكلم به من ألآخره عن الشيخ علي.

[2] ) كتاب المساكين، مصطفى صادق الرافعي، المكتبة العصرية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية، ص 30+31

[3] ) سورة البلد الآية 4.

الجمعة، 20 مايو 2022

 

العجز

كلمة العجز، وما أقساها من كلمة! هذه الكلمة تكفي لإشعال فتيل النَّار في جوف إنسانٍ قد جرَّب العجز في يومٍ ما، ذلك العجز الذي يعي به حجم ضعفه، فيجعل الدعاء دواءه.

يقف بين يديَّ الله يدعوه ويتوسَّل إليه من أجل أن يقوم بما عجز هو عن القيام به.

تمضي ساعات عمره بانتظار الفرج، وينتظر مكالمة تبشِّره بقدوم الفرج، أو رسالة تُعْلِمُه بوصوله، ما أقسى الحياة حينما تعصف بشخصٍ قريبٍ منك جدًا، ولكنَّه بعيدٌ جدًا، تدرك أنَّه في محنة أليمة، وبسببها هو غير قادر على التَّواصل معك، فلا تستلذ بالاطمئنان والراحة، ولا أنت قادر على الوصول إليه، أو قادر على مساعدته، تقطَّعت جميع الحبال بينك وبينه، والحبل الوحيد المتبقي هو الدعاء، تدرك أنَّ الدعاء عظيم بأفعاله، ولكنًّك تتمنى لو تستطيع أن تكون معه قلبًا وقالبًا، فتسانده وتشدُّ من عزمه، تكون متطلع عليه، فأنت لا تنتظر منه أن يطمئنك عن أحواله؛ لأنَّك في الأساس متطلع على أحواله، أنا لا أقصد أن أقلل من حجم الدعاء، وحاشا لله أن أفعل، ولكن من منَّا قادر على أن يحتمل ضعفه وقلَّة حيلته؟ كم شخصٍ تمنَّى أن يفعل المستحيل لأجل شخصٍ قريب له؟

يا سادة هذا هو العجز بعينه، وقد ابتليت به قبلًا، وها أنا ذا مبتليٌّ به للمرة الثانية، والأدهى والأمر أنَّه مع الشخص نفسه.

أعلم بأنَّ لا حول ولا قوة لي على تغيير وضع ذلك الشخص، وأدرك بأنَّ هذا الأمر لا يقدر عليه إلَّا ربُّ العباد، لكن حينما يمسي صوت العاطفة أقوى من صوت القلب، وحينما يتحول تفكيرك من عقلك إلى قلبك، فما عساك أن تفعل في تلك اللحظة؟

سوى أنَّك تلوم نفسك على الضَّعف، وقلة الحيلة، هذا ما أنا فيه الآن، أدرك بأنَّ الله قادر على فعل المستحيل، ولكن حينما أرى مدى ضعفي فإنَّ ذلك يكفي لهدَّي وكسري، أدرك بأنَّ الضعف هو شيء جبل عليه الإنسان؛ وأعلم يقينًا أنَّه لا عذر لي على جلد ذاتي، ولكن حينما نتحدَّث عن ألمٍ، فما مكان العقل هنا يا سادة؟!

أسأل الله العظيم ربِّ العرش العظيم أن يفرج كربتكِ، وكربة جميع المسلمين

 

بقلم الكتابة: نور نعساني

 

إعلاميون[1]

ماذا تعرف عن هذه الفئة من البشر؟ هذه الفئة التي قد لا نعطيها حقَّها في الحديث عنها، نتحدَّث عن التكنولوجيا والتقنية، ونقول أنَّها السبب في جعل عالمنا قرية صغيرة، وأنَّ من خلالها تمكنَّا من معرفة آخر ما توَّصل إليه الإنسان، أو معرفة أحوال الشعوب، متناسين بذلك فضل من يقومون بتوصيل تلك الأخبار لنا، وكأنَّ هذه الآلات هي التي صنعت نفسها بنفسها، أو هي التي تقوم بإيصال لنا تلك الأخبار! ومن هذا المنطلق سأطرح سؤالًا ما فائدة التكنولوجيا دون الفئة البشرية؟ كيف للأخبار أن تصل إلينا دون تلك الفئة التي نطلق عليها "إعلاميون" هذه الفئة التي تنقل لنا الأحداث معرضةً حياتها للخطر، فالأجل أن تتأكد من خبرٍ ما تنطلق مودِّعة أسرتها، معرضةً نفسها للخطر، فحينما يصل خبر لها أنَّ هناك بلد تمكنت من افتتاح مصنع جديد، أو مختبر جديد، ستنطلق هذه الفئة إلى المصنع، وهي تدرك أنَّها قد تتعرض للأشعة الخطيرة، أو أنَّها ستتعرض للكيماويات، غير آبهةً لما يحيط بها من الأخطار، مبدأها الأول "ننقل الحدث من قلب الحدث"، بعضنا ينظر لهذه المهنة أنَّها سهلة، لكنَّها أبدًا ليست بتلك السهولة، فهذه المهنة تكفي لخلق الألم في قلوب أسر من يقومون بهذه المهنة، فالصحفي أو الإعلامي ينطلق للمهمة التي وكِّلت له دون أن يغمض له جفن، راحلًا عن أسرته، لا يدري أيعود أم لا؟ تراه  في كل مكان؛ لينقل أحوال الشعوب التي تعاني، لنقل أحدث ما توصَّل له الإنسان، ينقل لنا ثقافات وعادات المختلفة للشعوب، كما ينقل لنا آلامها وأحزانها، يحارب مع الجنود مستخدمًا بذلك مكبر الصوت وسترته لا يوقفه شيء، هدفه الأكبر نقل الخبر، متناسيًا أنَّه قد يصبح الخبر نفسه، هذا المقال كتبته بعد أن حضرت مناقشة البحث لصديقة صديقتي، منها أحيطها علمًا بعظمة مهنتها، وكذلك بصعوبة الطَّريق الذي اختارته، وإن لم تكن بحاجة إلى من يذكِّرها بذلك.

في الختام أقول: يا سادة الكرام، لا تنسبوا الفضل كله للآلات، التي لا قلب لها ولا عقل، متناسين بذلك الفضل الأكبر وهم البشر الذين صنعوا تلك الآلات، وجعلوا للآلات فائدة عظمة بعد الله سبحانه وتعالى.

بقلم: نور نعساني     



[1] ) شكرًا لك على السَّماح لي بحضور مناقشة بحثك

الجمعة، 6 مايو 2022

 

الهروب[1]

من منَّا نحن البشر لم نعاني في حياتنا، لدرجة أن تصبح هذه المعاناة جزءً لا يتجزأ من حياتنا؟ جميعنا عانينا، وما زلنا نعاني من مشاكل أليمة جدًا، لكن أنْ يكون الهرب هو الحل الأمثل، فهذا طريق الجبناء، وأصحاب القلوب الضعيفة.

إنَّ ما دفعني لأكتب هذا المقال هو أنَّ صديقتي قد نبهتني على خطأ كنت أرتكبه في حق نفسي طوال حياتي، ولكن دون إدراك، أو وعي، أو قصد مني، وهو أنني كنت أكرس نفسي لأعمالي الدراسية، وكل ما يتعلق بالعلم مما أدى بي إلى تجاهل الآخرين، بل وحتى إلى هجر عائلتي، حينما كانت تطلب مني صديقتي أن آخذ قسطًا من الراحة، كنت أجيب عليها بقولي: لدي هدفي، وأريد الوصول إليه، وإن جلست بدون عمل فسأغرق بالتفكير. بعد مدَّة نبهتني صديقتي أنَّ ما أقوم به هو محاولة للهرب من المشاكل، والتفكير بها.

نعم! بصراحة فقد كانت محقَّةً في كل ما قالت لي! فأنت حينما تدمن شيئًا ما، تظنه أنَّ فيه راحة بالك، وانشراح صدرك، والأهم أنَّه يمنعك من التفكير فيما يؤرِّقك، فهذا نوع من أنواع الهروب.

فأنا  أدمنت العمل حتى لا أفكر بالمستقبل، أو أمنع نفسي من التفكير بمشكلة حصلت لي سواء في الجامعة، أو المنزل، وبدل من التفكير في حلول لتلك المشاكل، والبحث عن طريقة منطقية للخروج منها، أكب نفسي على المكتب؛ معتقدةً بذلك أنَّ المشاكل لم تعد موجودة، أو أنَّ الوقت كافٍ بحلها، وجعلي أنساها تمامًا.

قد يقع بعضنا في هذا الخطأ دون أن يدرك ذلك ودون أن يشعر! وليس بالضرورة أن يصبح مدمنًا على المخدرات، أو الكحول، أو العمل، بل إنَّ صديقتي قالت لي ذات يوم: " إنَّ أفضل طريقة تجعلها تهرب من يومها أو من واقعها هو النوم" هي تبقى نائمة طوال اليوم! لقد أضاعت عمرها وهي فقط نائمة .

ذات يوم سألتني صديقتي فقالت لي: " هذه حياتك، وهذا يومك فلأي شيء ترغبين بالهرب منها؟"

أجيب على هذا السؤال بقولي: إنَّ أعظم سبب يجعل المرء غير قادر على تقبل حياته، هو عدم قدرته على التعامل مع ضغوط الحياة فينتظر إلى أن يطفح الكيل منه، فيمسي في حالة مزرية وصعبة.

فما لنا لا نتذكر دائمًا أنَّ الحياة لم تخلق خلال يوم وليلة، وأنَّه من الجميل أن يكرس المرء نفسه للعمل، ولتحقيق أهدافه، ولكن الأجمل ألا ينسى أنَّ هناك طفل يعيش بداخله، يتطلع دائمًا للحياة، بعينٍ يملؤها الفضول والأمل. 

بقلم: نور نعساني 



[1] ) هذا المقال كانت فكرته قد انبثقت من إحدى حوارات مع صديقتي.

الأحد، 24 أبريل 2022

كنت لوحدي

 

كنت لوحدي!

كنت لوحدي! نعم هكذا بدأت حياتي الكتابية، حينما أقنعني أحد الأشخاص، وكان هذا الشخص هو معلمتي بالثانوية، حينما قالت لي ذات يوم، بأنَّ لدي موهبة الكتابة، في حين أنني لم أكن أؤمن في تلك المرحلة، أنَّ الكتابة هي موهبة، باعتقادي أنَّ الجميع قادر على الكتابة، وبعد ممارستي للكتابة اقتنعت بأنَّ الكتابة هي حقًا موهبة، ومنذ أن تخرجت انطفأ ذلك الضوء، وعدت وحيدة لم يكن هناك من يصحح لي أخطائي الكتابية (الإملائية، والنحوية) لم يكن هناك من يرشدني إن كانت أفكاري صحيحة أو خاطئة، وبطبيعة الحال وبصفتي شخص مبتدئ، لم أصارح أحد بموهبتي الكتابية ولا حتى عائلتي، إلا بعد فترة من الزمن، اكتشفت عائلتي بأنني أكتب. ولكن لم يكن لأحد علم عن ماهية الأشياء التي أكتب عنها، هل هي قصص؟ أم روايات؟ أم مسرحيات؟ أم ماذا؟ لم يكن هناك أحد يعلم بأن ما أكتب عنه هو ما يمس القضايا الاجتماعية، يتخللها قصص وأحداث واقعية، عائلتي علمت صديقاتي علمن بأنني أمارس الكتابة، وبعض صديقاتي علمن بالمحتوى الذي أكتبه، لكن ما الفائدة وأنا لا أجد من يصحح لي وينقح لي ما أكتبه؟! دخلت الجامعة وتخصصت، في حين تخصصي كنت أخشى إن عرضت كتاباتي على أحد قد تسرق، وحينما عرضتها على إحدى الدكتورات في البريد كنت أخشى أن تسرقها وتنسبها لنفسها، فتوقفت ولم أعد أرسل كتاباتي، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يترك عبدًا يعمل بكد، وجهد، وإخلاص، وشقاء يضيع تعبه فأرسل لي إنسانًا، هذا الإنسان في كل مرة أقابله فيها أشعر بالطمأنينة، والسكينة، والراحة، ما لا أشعره عند أحد، أتحدث معه بكل أريحية، لدرجة أنني ذات مرة عرضت عليها كتاباتي وأنا أشعر بطمأنينة لم أشعر بها قط، وناقشتها فيما أكتبه، حتى أنني أرسلت لها كتابي كاملًا للتطلع عليه قبل نشره، وهذه الحركة لم أتجرأ على القيام بها من قبل مطلقًا، فأدركت حينها أنَّ الله سبحانه وتعالى قد وضع لي من يدعمني ويزيل عني تلك الظلمات التي قد أحاطت في طريقي، ليبدلها بنور، وبصيرة، نعم هذا الإنسان هو من نفس قسمي ومن نفس الجامعة التي أدرس فيها، في الوقت الذي كنت أشعر بأنَّه من المستحيل ان أثق بأحد، وثقت بهذه الإنسانة، ولم أخطئ مطلقًا حينما وثقت بها، ومن الأدلة على ذلك:  أنها كانت السبب الأساسي في إنشائي لهذه المدونة، نعم! لقد شجعتني على فتح المدونة ؛ لأنشر فيها ما أكتبه. 

وإني لأرجو أن تسمح لي بأن أصرح عن اسمها، لأنَّها حقًا وصدقًا تستحق كل خير، وأن يسطر اسمها بماء من ذهب، ليس فقط في هذه المدونة، وإنَّما أيضًا في كل ما أقوم به، لأنني لم أكن لأقدم على خطوة أيًا كانت لو أنها لم تشجعني لأخطو لها. 

هذه الإنسانة أقدمها بكل فخر هي : " دكتورتي العزيزة: زكية الحارثي" التي قد وضعها الله في طريقي، وأنار طريقي بنورها، وأزال عني الظلمة، والوحدة، وأصبحت خير معين لي على الطريق الذي سلكته، أعي تمامًا بأنَّ الدرب بات أكثر صعوبة، ولكن لم ولن أخشى شيئًا ما دام الله معي ومن ثم ما دامت هي تدعمني وتمسك بهذه اليد.

أهدي هذا المقال للدكتورة العزيزة: زكية بنت عوض الحارثي                 

بقلم: نور نعساني   

  طائرٌ مغتربٌ كان هناك طائرٌ صغيرٌ لطيفٌ، يقف فوق أغصان الشَّجرة يلعب هنا وهناك، مرةً مع إخوته، ومرةً مع أصدقائه. كانت تلك الشَّجرة تغد...