الجمعة، 6 مايو 2022

 

الهروب[1]

من منَّا نحن البشر لم نعاني في حياتنا، لدرجة أن تصبح هذه المعاناة جزءً لا يتجزأ من حياتنا؟ جميعنا عانينا، وما زلنا نعاني من مشاكل أليمة جدًا، لكن أنْ يكون الهرب هو الحل الأمثل، فهذا طريق الجبناء، وأصحاب القلوب الضعيفة.

إنَّ ما دفعني لأكتب هذا المقال هو أنَّ صديقتي قد نبهتني على خطأ كنت أرتكبه في حق نفسي طوال حياتي، ولكن دون إدراك، أو وعي، أو قصد مني، وهو أنني كنت أكرس نفسي لأعمالي الدراسية، وكل ما يتعلق بالعلم مما أدى بي إلى تجاهل الآخرين، بل وحتى إلى هجر عائلتي، حينما كانت تطلب مني صديقتي أن آخذ قسطًا من الراحة، كنت أجيب عليها بقولي: لدي هدفي، وأريد الوصول إليه، وإن جلست بدون عمل فسأغرق بالتفكير. بعد مدَّة نبهتني صديقتي أنَّ ما أقوم به هو محاولة للهرب من المشاكل، والتفكير بها.

نعم! بصراحة فقد كانت محقَّةً في كل ما قالت لي! فأنت حينما تدمن شيئًا ما، تظنه أنَّ فيه راحة بالك، وانشراح صدرك، والأهم أنَّه يمنعك من التفكير فيما يؤرِّقك، فهذا نوع من أنواع الهروب.

فأنا  أدمنت العمل حتى لا أفكر بالمستقبل، أو أمنع نفسي من التفكير بمشكلة حصلت لي سواء في الجامعة، أو المنزل، وبدل من التفكير في حلول لتلك المشاكل، والبحث عن طريقة منطقية للخروج منها، أكب نفسي على المكتب؛ معتقدةً بذلك أنَّ المشاكل لم تعد موجودة، أو أنَّ الوقت كافٍ بحلها، وجعلي أنساها تمامًا.

قد يقع بعضنا في هذا الخطأ دون أن يدرك ذلك ودون أن يشعر! وليس بالضرورة أن يصبح مدمنًا على المخدرات، أو الكحول، أو العمل، بل إنَّ صديقتي قالت لي ذات يوم: " إنَّ أفضل طريقة تجعلها تهرب من يومها أو من واقعها هو النوم" هي تبقى نائمة طوال اليوم! لقد أضاعت عمرها وهي فقط نائمة .

ذات يوم سألتني صديقتي فقالت لي: " هذه حياتك، وهذا يومك فلأي شيء ترغبين بالهرب منها؟"

أجيب على هذا السؤال بقولي: إنَّ أعظم سبب يجعل المرء غير قادر على تقبل حياته، هو عدم قدرته على التعامل مع ضغوط الحياة فينتظر إلى أن يطفح الكيل منه، فيمسي في حالة مزرية وصعبة.

فما لنا لا نتذكر دائمًا أنَّ الحياة لم تخلق خلال يوم وليلة، وأنَّه من الجميل أن يكرس المرء نفسه للعمل، ولتحقيق أهدافه، ولكن الأجمل ألا ينسى أنَّ هناك طفل يعيش بداخله، يتطلع دائمًا للحياة، بعينٍ يملؤها الفضول والأمل. 

بقلم: نور نعساني 



[1] ) هذا المقال كانت فكرته قد انبثقت من إحدى حوارات مع صديقتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  عوض الله ما زالت ذكريات تلك الأيام في مخيلتي، تلك الأيام التي كنت قد وضعت ثقتي بأحدهم، فلم تمض الأيام إلا وقد خُذلت، مددت يومًا يدي لأحد...