الجمعة، 20 مايو 2022

 

العجز

كلمة العجز، وما أقساها من كلمة! هذه الكلمة تكفي لإشعال فتيل النَّار في جوف إنسانٍ قد جرَّب العجز في يومٍ ما، ذلك العجز الذي يعي به حجم ضعفه، فيجعل الدعاء دواءه.

يقف بين يديَّ الله يدعوه ويتوسَّل إليه من أجل أن يقوم بما عجز هو عن القيام به.

تمضي ساعات عمره بانتظار الفرج، وينتظر مكالمة تبشِّره بقدوم الفرج، أو رسالة تُعْلِمُه بوصوله، ما أقسى الحياة حينما تعصف بشخصٍ قريبٍ منك جدًا، ولكنَّه بعيدٌ جدًا، تدرك أنَّه في محنة أليمة، وبسببها هو غير قادر على التَّواصل معك، فلا تستلذ بالاطمئنان والراحة، ولا أنت قادر على الوصول إليه، أو قادر على مساعدته، تقطَّعت جميع الحبال بينك وبينه، والحبل الوحيد المتبقي هو الدعاء، تدرك أنَّ الدعاء عظيم بأفعاله، ولكنًّك تتمنى لو تستطيع أن تكون معه قلبًا وقالبًا، فتسانده وتشدُّ من عزمه، تكون متطلع عليه، فأنت لا تنتظر منه أن يطمئنك عن أحواله؛ لأنَّك في الأساس متطلع على أحواله، أنا لا أقصد أن أقلل من حجم الدعاء، وحاشا لله أن أفعل، ولكن من منَّا قادر على أن يحتمل ضعفه وقلَّة حيلته؟ كم شخصٍ تمنَّى أن يفعل المستحيل لأجل شخصٍ قريب له؟

يا سادة هذا هو العجز بعينه، وقد ابتليت به قبلًا، وها أنا ذا مبتليٌّ به للمرة الثانية، والأدهى والأمر أنَّه مع الشخص نفسه.

أعلم بأنَّ لا حول ولا قوة لي على تغيير وضع ذلك الشخص، وأدرك بأنَّ هذا الأمر لا يقدر عليه إلَّا ربُّ العباد، لكن حينما يمسي صوت العاطفة أقوى من صوت القلب، وحينما يتحول تفكيرك من عقلك إلى قلبك، فما عساك أن تفعل في تلك اللحظة؟

سوى أنَّك تلوم نفسك على الضَّعف، وقلة الحيلة، هذا ما أنا فيه الآن، أدرك بأنَّ الله قادر على فعل المستحيل، ولكن حينما أرى مدى ضعفي فإنَّ ذلك يكفي لهدَّي وكسري، أدرك بأنَّ الضعف هو شيء جبل عليه الإنسان؛ وأعلم يقينًا أنَّه لا عذر لي على جلد ذاتي، ولكن حينما نتحدَّث عن ألمٍ، فما مكان العقل هنا يا سادة؟!

أسأل الله العظيم ربِّ العرش العظيم أن يفرج كربتكِ، وكربة جميع المسلمين

 

بقلم الكتابة: نور نعساني

 

إعلاميون[1]

ماذا تعرف عن هذه الفئة من البشر؟ هذه الفئة التي قد لا نعطيها حقَّها في الحديث عنها، نتحدَّث عن التكنولوجيا والتقنية، ونقول أنَّها السبب في جعل عالمنا قرية صغيرة، وأنَّ من خلالها تمكنَّا من معرفة آخر ما توَّصل إليه الإنسان، أو معرفة أحوال الشعوب، متناسين بذلك فضل من يقومون بتوصيل تلك الأخبار لنا، وكأنَّ هذه الآلات هي التي صنعت نفسها بنفسها، أو هي التي تقوم بإيصال لنا تلك الأخبار! ومن هذا المنطلق سأطرح سؤالًا ما فائدة التكنولوجيا دون الفئة البشرية؟ كيف للأخبار أن تصل إلينا دون تلك الفئة التي نطلق عليها "إعلاميون" هذه الفئة التي تنقل لنا الأحداث معرضةً حياتها للخطر، فالأجل أن تتأكد من خبرٍ ما تنطلق مودِّعة أسرتها، معرضةً نفسها للخطر، فحينما يصل خبر لها أنَّ هناك بلد تمكنت من افتتاح مصنع جديد، أو مختبر جديد، ستنطلق هذه الفئة إلى المصنع، وهي تدرك أنَّها قد تتعرض للأشعة الخطيرة، أو أنَّها ستتعرض للكيماويات، غير آبهةً لما يحيط بها من الأخطار، مبدأها الأول "ننقل الحدث من قلب الحدث"، بعضنا ينظر لهذه المهنة أنَّها سهلة، لكنَّها أبدًا ليست بتلك السهولة، فهذه المهنة تكفي لخلق الألم في قلوب أسر من يقومون بهذه المهنة، فالصحفي أو الإعلامي ينطلق للمهمة التي وكِّلت له دون أن يغمض له جفن، راحلًا عن أسرته، لا يدري أيعود أم لا؟ تراه  في كل مكان؛ لينقل أحوال الشعوب التي تعاني، لنقل أحدث ما توصَّل له الإنسان، ينقل لنا ثقافات وعادات المختلفة للشعوب، كما ينقل لنا آلامها وأحزانها، يحارب مع الجنود مستخدمًا بذلك مكبر الصوت وسترته لا يوقفه شيء، هدفه الأكبر نقل الخبر، متناسيًا أنَّه قد يصبح الخبر نفسه، هذا المقال كتبته بعد أن حضرت مناقشة البحث لصديقة صديقتي، منها أحيطها علمًا بعظمة مهنتها، وكذلك بصعوبة الطَّريق الذي اختارته، وإن لم تكن بحاجة إلى من يذكِّرها بذلك.

في الختام أقول: يا سادة الكرام، لا تنسبوا الفضل كله للآلات، التي لا قلب لها ولا عقل، متناسين بذلك الفضل الأكبر وهم البشر الذين صنعوا تلك الآلات، وجعلوا للآلات فائدة عظمة بعد الله سبحانه وتعالى.

بقلم: نور نعساني     



[1] ) شكرًا لك على السَّماح لي بحضور مناقشة بحثك

الجمعة، 6 مايو 2022

 

الهروب[1]

من منَّا نحن البشر لم نعاني في حياتنا، لدرجة أن تصبح هذه المعاناة جزءً لا يتجزأ من حياتنا؟ جميعنا عانينا، وما زلنا نعاني من مشاكل أليمة جدًا، لكن أنْ يكون الهرب هو الحل الأمثل، فهذا طريق الجبناء، وأصحاب القلوب الضعيفة.

إنَّ ما دفعني لأكتب هذا المقال هو أنَّ صديقتي قد نبهتني على خطأ كنت أرتكبه في حق نفسي طوال حياتي، ولكن دون إدراك، أو وعي، أو قصد مني، وهو أنني كنت أكرس نفسي لأعمالي الدراسية، وكل ما يتعلق بالعلم مما أدى بي إلى تجاهل الآخرين، بل وحتى إلى هجر عائلتي، حينما كانت تطلب مني صديقتي أن آخذ قسطًا من الراحة، كنت أجيب عليها بقولي: لدي هدفي، وأريد الوصول إليه، وإن جلست بدون عمل فسأغرق بالتفكير. بعد مدَّة نبهتني صديقتي أنَّ ما أقوم به هو محاولة للهرب من المشاكل، والتفكير بها.

نعم! بصراحة فقد كانت محقَّةً في كل ما قالت لي! فأنت حينما تدمن شيئًا ما، تظنه أنَّ فيه راحة بالك، وانشراح صدرك، والأهم أنَّه يمنعك من التفكير فيما يؤرِّقك، فهذا نوع من أنواع الهروب.

فأنا  أدمنت العمل حتى لا أفكر بالمستقبل، أو أمنع نفسي من التفكير بمشكلة حصلت لي سواء في الجامعة، أو المنزل، وبدل من التفكير في حلول لتلك المشاكل، والبحث عن طريقة منطقية للخروج منها، أكب نفسي على المكتب؛ معتقدةً بذلك أنَّ المشاكل لم تعد موجودة، أو أنَّ الوقت كافٍ بحلها، وجعلي أنساها تمامًا.

قد يقع بعضنا في هذا الخطأ دون أن يدرك ذلك ودون أن يشعر! وليس بالضرورة أن يصبح مدمنًا على المخدرات، أو الكحول، أو العمل، بل إنَّ صديقتي قالت لي ذات يوم: " إنَّ أفضل طريقة تجعلها تهرب من يومها أو من واقعها هو النوم" هي تبقى نائمة طوال اليوم! لقد أضاعت عمرها وهي فقط نائمة .

ذات يوم سألتني صديقتي فقالت لي: " هذه حياتك، وهذا يومك فلأي شيء ترغبين بالهرب منها؟"

أجيب على هذا السؤال بقولي: إنَّ أعظم سبب يجعل المرء غير قادر على تقبل حياته، هو عدم قدرته على التعامل مع ضغوط الحياة فينتظر إلى أن يطفح الكيل منه، فيمسي في حالة مزرية وصعبة.

فما لنا لا نتذكر دائمًا أنَّ الحياة لم تخلق خلال يوم وليلة، وأنَّه من الجميل أن يكرس المرء نفسه للعمل، ولتحقيق أهدافه، ولكن الأجمل ألا ينسى أنَّ هناك طفل يعيش بداخله، يتطلع دائمًا للحياة، بعينٍ يملؤها الفضول والأمل. 

بقلم: نور نعساني 



[1] ) هذا المقال كانت فكرته قد انبثقت من إحدى حوارات مع صديقتي.

  عوض الله ما زالت ذكريات تلك الأيام في مخيلتي، تلك الأيام التي كنت قد وضعت ثقتي بأحدهم، فلم تمض الأيام إلا وقد خُذلت، مددت يومًا يدي لأحد...